فصل: تفسير الآية رقم (15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (15):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} أي لم يشكوا في إيمانهم وفي ذلك تعريض بالأعراب المذكورين، بأنهم في شك وكذلك قوله في هؤلاء: {أولئك هُمُ الصادقون} تعريض أيضاً بالأعراب إذا كذبوا في قولهم آمناً. وإنما عطف {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} بثم إشعاراً بثبوت إيمانهم في الأزمنة المتراخية المتطاولة {وَجَاهَدُواْ} يريد جهاد الكفار، لأنه دليل على صحة الإيمان ويبعد أن يريد جهاد النفس والشيطان لقوله: {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله}.

.تفسير الآية رقم (17):

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} نزلت في بني أسد أيضاً فإنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا آمنا بك واتبعناك ولم نحاربك كما فعلت هوازن وغطفان وغيرهم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ} أي هداكم للإيمان على زعمكم، ولذلك قال: {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، و{يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} يحتمل أن يكون بمعنى ينعم عليكم أو بمعنى: يذكر إنعامه، وهذا أحسن لأنه في مقابلة بمنون عليك.

.سورة ق:

.تفسير الآية رقم (1):

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)}
تكلمنا على حروف الهجاء في أول سورة البقرة ويختص ق بأنه قيل: إنه من اسم الله القاهر، أو القدير وقيل: هو اسم للقرآن {والقرآن المجيد} من المجد، وهو الشرف والكرم وجواب هذا القسم محذوب تقديره: ما ردّوا أمرك بحجة وما كذبوك ببرهان وشبه ذلك، وعبّر عن هذا المحذوف، وقع الإضراب ببل وقيل: الجواب ما يلفظ من قول، وقيل: إن في ذلك لذكرى، قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وهذه الأقوال ضعيفة متكلفة.

.تفسير الآيات (2- 3):

{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)}
{بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ} الضمير في عجبوا لكفار قريش، والمنذر هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: الضمير لجميع الناس واختاره ابن عطية قال: ولذلك قال تعالى: {فَقَالَ الكافرون} أي الكافرون من الناس، والصحيح أنه لقريش، وقوله: {فَقَالَ الكافرون} وضع الظاهر موضع المضمر لقصد ذمّهم بالكفر، كما تقول: جاءني فلان فقال الفاجر كذا، إذا قصدت ذمه وقوله: {مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ} إن كان الضمير لقريش فمعنى {مِّنْهُمْ} من قبيلتهم يعرفون صدقه وأمانته وحسبه فيهم، وإن كان الضمير لجميع الناس فمعنى {مِّنْهُمْ} إنسان مثلهم، وتعجبهم يحتمل أن يكون من أن بعث الله بشراً أو من الأمر الذي يتضمنه الإنذار وهو الحشر، ويؤيد هذا ما يأتي بعد {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} العامل في إذا محذوف تقديره: أنُبعث إذا متنا {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} الرجع مصدر: رجعته والمراد به: البعث بعد الموت، ومعنى بعيد أي: بعيد الوقوع عندهم، وقيل: الرجع: الجواب، أي جوابهم هذا بعيد عن الحق، وعلى هذا يكون قوله: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} من كلام الله تعالى، وأما على الأول فهو حكاية كلام الكفار وهو أظهر.

.تفسير الآية رقم (4):

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)}
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} هذا رد على الكفار في إنكارهم للبعث معناه: قد علمنا ما تنقص الأرض منهم من لحومهم وعظامهم فلا يصعب علينا بعثهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل جسد ابن آدم تأكله الأرض، إلا عَجْبُ الذنب منه خلق وفيه يركب» وقيل: المعنى قد علمنا ما يحصل في بطن الأرض من موتاهم، والأول قول ابن عباس والجمهور وهو أظهر {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} يعني اللوح المحفوظ، ومعنى حفيظ: جامع لا يشذ عنه شيء. وقيل: معناه محفوظ من التغيير والتبديل.

.تفسير الآية رقم (5):

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}
{بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ} هذا الإضراب أتبع به الإضراب الأول، للدلالة على أنهم جاؤوا بما هو أقبح من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة، وما تضمنته من الإخبار بالحشر وغير ذلك، وقال ابن عطية: هذا الاضراب عن كلام محذوف تقديره: ما أجادوا النظر ونحو ذلك {فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} أي مضطرب، لأنهم يقولون: شاعر، وتارة ساحر، وغير ذلك من أقوالهم. وقيل: معناه منكر، وقيل: ملتبس. وقيل: مختلط.

.تفسير الآيات (6- 7):

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)}
{وَزَيَّنَّاهَا} يعني بالنجوم {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أي من شقوق، وذلك دليل على إتقان الصنعة {رَوَاسِيَ} يعني الجبال {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كل نوع جميل.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}
{مَآءً مُّبَارَكاً} يعني المطر كله وقيل: الماء المبارك ماء مخصوص ينزله الله كل سنة، وليس كل مطر يتصف بالمبارك، وهذا ضعيف {وَحَبَّ الحصيد} هو القمح والشعير نحو ذلك مما يحصد {بَاسِقَاتٍ} أي طويلات {طَلْعٌ نَّضِيدٌ} الطلع أول ما يظهر من الثمر، وهو أبيض منضد كحصب الرمان، فما دام ملتصقاً بعضه ببعض فهو نضيد، فإذا تفرق فليس بنضيد {كَذَلِكَ الخروج} تثميل لخروج الموتى من القبور بخروج النبات من الأرض

.تفسير الآية رقم (12):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)}
{وَأَصْحَابُ الرس} قوم كانت لهم بئر عظيم وهي الرس، بعث إليهم نبي فجعلوه في الرس وردموا عليه فأهلكهم الله.

.تفسير الآيات (14- 15):

{وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)}
{وَأَصْحَابُ الأيكة} يعني قوم شعيب وقد ذكر {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} ذكر في [الدخان: 37] {فَحَقَّ وَعِيدِ} أي حل بهم الهلاك {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} يقال: عيي بالأمر إذا لم يعرف علمه، والخلق الأول: خلق الإنسان من نطفة ثم من علقة وقيل: يعني خلق آدم، وقيل خلق السموات والأرض، والأول أظهر، ومقصود الآية الاستدلال بالخلقة الأولى على البعث والهمزة للإنكار {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي هم في شك من البعث، وإنما نكر الخلق الجديد؛ لأنه كان غير معروف عند الكفار المخاطبين، وعرّف الخلق الأول لأنه معروف معهود.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)}
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} يعني جنس الإنسان، ومعنى {تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}: تحدثه نفسه في فكرتها. وذلك أخفى الأشياء وقيل: يعني آدم ووسوسته عند أكله من الشجرة، والأول أظهر وأشهر {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} هو عرق كبير في العنق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وهذا مثل في فَرْط القُرُب، والمراد به: قربُ علم الله واطلاعه على عبده، وإضافة الحبل إلى الوريد كقولك: مسجد الجامع أو يراد بالحبل: العاتق.

.تفسير الآية رقم (17):

{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)}
{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} يعني الملكين الحافظين الكتابين للأعمال، والتلقي هو: تلقّي الكلام بحفظه وكتابته، والعامل في إذ نحن أقرب، وقيل: مضمر تقديره: اذكر. واختبار ابن عطية {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أي قاعد: وقيل: مقاعد بمعنى مجالس، وردّه ابن عطية بأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، والقاعد يكون على جميع هيئة الإنسان، وإنما أفرده وهما اثنان لأن التقدير: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقين، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه، وقال الفراء: لفظ قعيد يدل على الاثنين والجماعة فلا يحتاج إلى حذف.

.تفسير الآية رقم (18):

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}
{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} العتيد: الحاضر، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مقعد الملكين على الشفتين قلمهما اللسان ومدادهما الريق، وعموم الآية يقتضي أن الملكين يكتبان جميع أعمال العبد، ولذلك قال الحسن وقتادة: يكتبان جميع الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات والسيئات ويمحو غير ذلك، وقال عكرمة: إنما تكتب الحسنات والسيئات لا غير.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)}
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} أي بلقاء الله أو فراق الدنيا، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: وجاءت سكرة الحق بالموت، وكذلك قرأها أبو بكر الصديق، وإنما قال: جاءت بالماضي لتحقق الأمر وقربه، وكذلك ما بعده من الأفعال {ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي تفر وتهرب، والخطاب للإنسان.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)}
{سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} السائق ملك يسوقه، وأما الشهيد فقيل: ملك آخر يشهد عليه وهو الأظهر، وقيل: صحائف الأعمال، وقيل: جوارح الإنسان.

.تفسير الآية رقم (22):

{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}
{لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا} خطاب للإنسان الذي يقتضيه قوله: كل نفس، يريد أنه كان غافلاً عما لقي في الآخرة، وقيل: هو خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي كنت في غفلة من هذا القصص؛ وهذا في غاية الضعف لأنه خروج عن سياق الكلام {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ} قيل: كشف الغطاء معاينته أمور الآخرة {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} أي يبصر ما لم يبصره قبل، وقد ورد: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)}
{وَقَالَ قَرِينُهُ هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} القرين هنا: الشيطان الذي كان يغويه، وقيل: الملك الذي يتولى عذابه في جهنم، والأول أرجح لأنه هو القرين المذكور بعد، ولقوله: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] ومعنى قوله: {هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}، أي هذا الإنسان حاضر لدي أعتدته ويسرته لجهنم، وكذلك المعنى إن قلنا: إن القرين هو الملك السائق، وإن قلنا: إنه أحد الزبانية فمعناه هذا العذاب لديّ حاضر، ويحتمل أن يكون ما في قوله: {مَا لَدَيَّ}، موصوفة أو موصولة، فإن كانت موصوفة فعتيد وصف لها، وإن كانت موصولة، فعتيد بدل منها، أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، وما هي خبر المبتدأ على هذه الوجوه، ويحتمل أن يكون {عَتِيدٌ} الخبر وتكون {مَا} بدلاً من هذا أو منصوبة بفعل مضمر.

.تفسير الآيات (24- 26):

{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)}
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} الخطاب للملكين السائق والشهيد، وقيل: نه خطاب لواحد على أن يكون بالنون المؤكدة الخفيفة، ثم أبدل منها ألف، أو على أن يكون معناه: ألق ألق مثنى مبالغة وتأكيداً، أو على أن يكون على عادة العرب من مخاطبة الاثنين كقولهم: خليلي وصاحبي وهذا كله تكلف بعيد، ومما يدل على أن الخطاب لاثنين قوله: {فَأَلْقِيَاهُ فِي العذاب الشديد} {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} قيل: مناع للزكاة المفروضة والصحيح العموم {مُّرِيبٍ} شاك في الدين فهو من الريب بمعنى الشك {الذي جَعَلَ} يحتمل أن يكون مبتدأ وخبره {فَأَلْقِيَاهُ} وأدخل فيه ألفاً لتضمنه معنى الشرط، أو يكون بدلاً أو صفة، ويكون فألقياه تكرار للتوكيد.

.تفسير الآية رقم (27):

{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)}
{قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} القرين هنا شيطانه الذي وُكِّل به في الدنيا، بلا خلاف ومعنى ما أطغيته، ما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى باختياره، وإنما حذف الواو هنا لأن هذه جملة مستأنفة بخلاف قوله: {قَالَ قرِينُهُ} قبل هذا فإنه عطف.

.تفسير الآيات (28- 30):

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}
{قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ} خطاب للناس وقرنائهم من الشياطين {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ} أي قد حكمت بتعذيب الكفار فلا تبديل لذلك، وقيل: معناه لا يكذب أحد لدي لعلمي بجميع الأمور، فالإشارة على هذا إلى قول القرين ما أطغيته {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} الفعل مسند إلى جهنم، وقيل: إلى خزنتها من الملائكة، والأول أظهر واختلف هل تتكلم جهنم حقيقة أو مجازاً بلسان الحال؟ والأظهر أنه حقيقة، وذلك على الله يسير، ومعنى قوله: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} إنما تطلب الزيادة وكانت لم تمتلئ. وقيل: لا مزيد أي ليس عندي موضع للزيادة، فهي على هذا قد امتلأت والأول أظهر وأرجح، لما ورد في الحديث: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد حتى يلقى فيها الجبار قدمه»، وفي الحديث كلام ليس هذا موضعه، وإن كان اسم معفول فوزنه مفعول.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)}
{وَأُزْلِفَتِ الجنة} أي قرِّبت ثم أكد ذلك بقوله غير بعيد {لِكُلِّ أَوَّابٍ} أي كثير الرجوع إلى الله، فهو من آب يؤوب إذا رجع، وقيل: هو المسبح لله من قوله: {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 1] {حَفِيظٍ} أي حافظ لأوامر الله فيفعلها، ولنواهيه فيتركها.